أفادت وكالة أنباء الحوزة أن الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري أجرى سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الأول من الحلقة السادسة إلى موضوع ما بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) كأحد أهم القضايا المرتبطة بالثورة الحسينية، مبينا أن السيدة زينب (ع) كان لها الدور البارز في استمرار وبقاء النهضة الحسينية، وفيما يلي نص الحوار.
سماحة السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
لا شك أن موضوع الأربعين وما بعد الشهادة موضوع مهم جداً، ولكن على غرار ما تعودنا في الحلقات السابقة سوف لا نتوقف عند ما بعد الشهادة بالعنوان الزماني، وإنما نحاول أن ننطلق من هذا العنوان إلى زماننا وأن نأخذ الدروس والعبر من هذا العنوان.
سماحة الإمام الخامنئي وفي خطابات وأقوال متعددة تحدث عن هذا الموضوع وعن أهمية الأربعين، ولكن تبقى رؤية القائد دائماً رؤية جديدة ورائعة، وقد تصحح الكثير من الرؤى الخاطئة والمتعارفة عند بعض الكتّاب والمفكرين. يقول الإمام القائد: إن أهمية الأربعين تكمن بالأساس في أن ذكرى النهضة الحسينية قد تخلدت إلى الأبد وتجذرت إلى هذا اليوم بتدبير إلهي وحنكة آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، فلو توانى أهالي الشهداء والأبطال في مختلف الوقائع عن المحافظة على ذكر الشهادة وآثارها فلن تنعم الأجيال المقبلة ما بعد الشهادة بالمكاسب المتأتية عن الشهادة. إذن هنا يتحدث عن دور مجتمع وأهالي وذوي الشهداء، ومنها طبعاً قضية الأربعين التي تأخذ عنوان ما بعد الشهادة، ودور السيدة زينب والإمام السجاد (عليه السلام) والركب الحسيني بشكل عام.
ثم يقول السيد القائد في تتمة كلامه: صحيح أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بإحياء الشهداء في العالم، وأن الشهيد خالد في أذهان البشر على مدى التأريخ، بيد أن الله جعل لمثل هذا العمل وسيلة طبيعية شأنه شأن سائر الأعمال كالنصر، فهناك وسائل تخضع لإرادتنا واختيارنا. وإلا لو حملنا كل شيء على الله سبحانه وتعالى، لكان قد جعل من البداية كل الناس مؤمنين، ولا يوجد شيطان، والجميع يدخل الجنة، ولكن جعل الله حياة وامتحاناً وإرادة وإرادة مضادة وخيراً وشراً. ويضيف القائد: فنحن الذين بإمكاننا إحياء ذكر الشهداء وذكر الشهادة وفلسفتها عن طريق اتخاذ القرار المناسب الصحيح.
ولذلك فهناك نوعان من المجتمعات: مجتمعات تحيي الشهداء وتعتز بالشهداء وتضع صور الشهداء، وإذا أرادت أن تعرّف أحداً تقول: هذا والده شهيد أو عمه شهيد أو أخوه شهيد أو ابنه شهيد، يعني أنها لا تعرف الشخص بالعمامة والدكتور والشهادة والبروفيسور وأمثال ذلك، بل أول ما تعرّفه أنه من ذوي الشهداء، وعلى حدّ تعبير سماحة السيد حسن نصر بعد شهادة ابنه: أنا الآن أستطيع أن أفتخر وكنت قبل ذلك في خجل. . هذا شيء رائع أن يأتي قائد عالمي يشكر الله على شهادة ابنه، وهذه هي ثقافة بالطبع، وهي سائدة في إيران أيضا بشكل كبير. وفي المقابل تجد مجتمعات أخرى تخجل من الشهداء وتعتبر الشهيد خسارة وندم، ولذلك تلام زوجة الشهيد وتلام أم الشهيد.
هناك مجتمعات ثقافتها ثقافة تتقبل الشهداء بل تتعاطى مع الشهداء بل تفتخر بالشهداء بل تقدم الشهداء. ففي الحرب المفروضة ضد الجمهورية الإسلامية، بعض الأمهات حين جاؤوا بابنها شهيداً من الجبهة قالت لا أستلم جثته إلا أن تأخذوا أخاه. وهذا ما شاهدناه ليس فقط في إيران، بل في لبنان وفي غزة و. . . وعندما يستشهد ابنها تظهر على شاشة التلفاز وتقول: أنا أفتخر وأعتز بولدي الشهيد، وهناك أولاد آخرون لم أقدّمهم. وفي مجتمع آخر تظهر الأم على التلفاز وتقول: أنا ألوم الحكومة على شهادة ولدي وتبدأ بالتساؤلات. ثقافتنا هي«فزت ورب الكعبة». . ثقافتنا هي«إن لك درجة لن تنالها إلا بالشهادة».
إذن في الواقع البعض يفتخر بشهيده، والبعض الآخر يخجل ويندم على شهيده، وشتان ما بينهما. ونتيجة هذا الاختلاف أن هناك مجتمعات تقدم أولادها للشهادة وتعتز وتتسابق، وهناك مجتمعات تتباطأ، ولكن ماذا ستكون النتيجة؟ النتيجة هي أن المجتمع الذي يعتز بالشهداء ويقدم الشهداء ويتسارع إلى مقام الشهداء يعز، وأما المجتمع الذي يخجل ويتباطأ ولا يريد تقديم أولاده وأبنائه إلى الشهادة ويخاف من الشهادة يذل، وهذه سنة إلهية، والشواهد كثيرة في تأريخنا.
إذن الدور فيما بعد الشهادة مهم. عندما تستشهد مجموعة، والكلام عن الإمام الحسين عليه السلام، وتأتي السيدة زينب وتتلقى الشهادة بهذه الروحية، وتحرّك الركب الحسيني باتجاه الاعتزاز بالشهادة، ستختلف عندذاك النتائج. ولذلك تخليد الشهداء يرتبط بدرجة كبيرة جداً بما بعد الشهادة. وأهداف الشهيد ترتبط بما بعد الشهادة، ولذلك يقول البعض: انتهت ثورة الإمام الحسين عليه السلام عصر العاشر، وبدأت ثورة زينب عصر العاشر، وهي ثورة أخرى بعنوان آخر وبطبيعة أخرى أدت إلى تخليد تلك الثورة.
يقول الإمام القائد وبكل وضوح: «لو أن زينب الكبرى عليها السلام والإمام السجاد عليه السلام لم يبادروا على امتداد أيام السبي إلى الجهاد وبيان الحقائق، لم تبق واقعة عاشوراء حية متفاعلة متوهجة حتى يومنا هذا»، وهذا يعني الاهتمام ببيان حقيقة فلسفة عاشوراء وأهداف الحسين بن علي عليه السلام في ثورته، وعدم الاقتصار على ذكر المصائب والمآسي.
ثم يقول السيد القائد: «لما يقول الإمام الصادق عليه السلام كما ورد في الروايات: ما من أحد قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة وغفر له، لأن الأجهزة الإعلامية بالاصطلاحات الحديثة قد كرست بأسرها لعزل قضية عاشوراء؛ يعني مسألة اهل البيت برمتها وإحاطتها بحجب من الظلام كي لا يَدَعوا مجالاً أمام الأمة لمعرفة ما جرى».
عندما تكون هناك أجهزة إعلامية، يأتي الإمام الصادق ويقول من كتب شعراً فبكى وأبكى. . . وبذلك يقف أمام هذا الجو الإعلامي الهائل ضد ثورة الإمام الحسين؛ هكذا يقرأ الإمام القائد هذه الرواية، وهذا هو التبليغ. إذن تارة نأخذ هذه الرواية إلى حالة العواطف والدموع والبكاء، وهو أمرٌ مطلوب دائماً وليس أحياناً، وسوف نثبت ذلك فإن العواطف والبكاء مطلوب على الدوام. وتارة نأخذ الرواية كما هو الإمام القائد إلى التبليغ.
ثم يضيف الإمام القائد: «ولقد كانت القوى الجائرة كما هو الحال في يومنا هذا تستثمر وسائل الإعلام المزيفة والمغرضة والشيطانية بأقصى ما يمكن؛ هذا هو الإعلام، فهل يمكن لواقعة عظيمة في زاوية من زوايا العالم أن تحافظ على حيويتها وقوتها في مثل هذه الأجواء؟ من المسلّم أن مصيرها الأفول لولا جهود السيدة زينب والإمام السجاد والركب الحسيني بالبيانات والإعلان وتبيين الحقائق، وهذا هو الدور». إذن فالإمام يربط بين وجود كربلاء وعظمة كربلاء وبقاء كربلاء وعاشوراء بين الحركة الزينبية فيما بعد الشهادة.
ويكمل السيد القائد كلامه: «إن الذي حافظ على ذكر هذه الواقعة هو الجهود التي بذلتها عائلة الحسين فلقد واجهوا العراقيل وكم كان ذلك صعباً بصعوبة الجهاد الذي خاضه الحسين (ع). إن هذه الجهود لا تقل عن جهود الحسين (ع). فإنه حينما رفع راية الجهاد إلى هذا المستوى كان جهاد السيدة زينب والإمام السجاد وسائر الطاهرين صعباً، وبالطبع لم يكن ميدانهم عسكرياً، بل إعلامياً وثقافياً وعلينا الانتباه إلى هذا الأمر. »إذن ليس الجهاد دوماً بالسلاح والقتال، وإنما هناك شيء مكمل وهو إعلامي وثقافي، وهذا هو جهاد السيدة زينب والركب الحسيني.